سورة السجدة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


افتراه: اختلقه. استوى على العرش: استولى عليه. يعرج اليه: يصعد اليه والعروج هو الصعود، ومنه المعراج. ماءٍ مهين: ماء ضعيف، لا يُرى الا بالمكبرات.
الم: تقرأ هكذا الف، لام، ميم. وقد مر الكلام عليها ومثيلاتها.
{تَنزِيلُ الكتاب...}
ان هذا القرآن الذي أنزل على محمد لا شكّ انه من عند الله. ويقولون: اختلقه محمد ونسبه إلى الله. كلا، انه هو الحق ولاصدق من عند ربك أنزله اليك أيها الرسول لتنذرَ قومك، حيث لم يأتهم نذير من قبلك، ولعلّهم بهذا الانذار يهتدون إلى الحق.
{الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش}
الله هو الخالق لهذا الكون الواسع في ستة أيام، لكنها لا تشابه أيامنا ولا تقاس بها، لانه يجوز ان يكون اليوم بليون سنة أو اكثر، فأيامنا محدودة، وايام الله غير محدودة. ثم انه استوى على العرش استواء يليق به.
{مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} ليس لكم ايها الناس ما يلي امروكم ويدبرها غيره، وليس لكم شفيع غيره. ثم أمَرنا بالتذكّر والتدبير فقال: {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ}؟
{يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}
ان الله يدبر شئونَ الخلق وأمرَ الأرض من سماء جلاله من يومِ وجودها إلى ساعة تلاشيها، ثم يصعد اليه الأمرُ كله ليحكم فيه في يوم مقداره الفُ سنة مما تعدّون، ذلك هو يوم القيامة. والمراد بالالف هو الزمن المتطاول، وليس المقصود وحقيقةَ العدد، كما قدّمت. فيجوز ان يكون ذلك اليوم اطول بكثير مما ذكر.
{ذلك عَالِمُ الغيب والشهادة العزيز الرحيم...}
ذلك الموصوف بالخلْق والاستواء والتدبير هو الله عالِم ما غاب عنا من الأمور، وما نشاهده، القويُّ اقادر على ما يريد، الرحيم في إرادته وتدبيره للخلق، الذي أجاد كل شيء خَلَقَه، وأحكمه، وبدأ تكوين الإنسان من الطين، ثم جعل ذريته تخرج من نطفة ضعيفة فيها مخلوقاتٌ لا تُرى بالعين المجردة، فيسوّيه بقدْرته وينفخ فيه من روح. ثم تنمو الحيوانات بعد ذلك وتتحرك.
ثم التفت بالخطاب إلى الناس فقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}
انها نِعم عظيمة.. لقد اعطاكم السمع، وجهازُ السمع كما يقول الاطباء جهاز دقيق أهم من أي جهاز في الجسم.. ثم اعطاكم البصر لتبصروا..، والأفئدة لتميزوا وتفهموا وتعقِلوا، ولكنّكم مقابل هذا كله لا تشكرونه الا قليلا على هذا الفيض من الفضل الجزيل. اللهم الجعلنا من لاشاكرين لفضلك وكرمك يا رب العالمين.
تقدم في سورة المؤمنون آية 78 {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} وهنا: وجعل لكم.
قراءات:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {احسن كل شيء خلْقه} باسكان اللام، والباقون: بفتحها كما هو في المصحف.


ضللنا في الأرض: معناه هنا غبنا فيها. ناكسوا رؤوسِهم: مطأطئو رؤوسهم، خافضوها من الذل. إنا نسيناكم: أهملناكم.
بعد أن بيّن الله فائدة رسالة النبي الكريم، والخلقَ، ووحدانيته تعالى، وتدبيره لهذا الكون- ذكر هنا اعتراضَ المشركين وعدم إيمانهم بالبعث، وقولهم أإذا متنا وتحلّلت اجسادُنا فصارت ترابا وغبنا في هذه الأرض أسنُخلق من جديد!؟ ان هؤلاء المشركين ينكرون كل شيء فهم بلقاء ربهم يجحدون.
وبعد ذلك يردّ الله عليه ويوبّخهم.
قل لهم ايها الرسول: يتوفاكم ملكُ الموت الموكل بقبض أرواحكم ثم إلى الله وحده ترجعون. ولو أُتيح لك يا محد ان ترى المجرمين في موقف الحساب يوم القيامة لرأيتَ عَجَبا، فان هؤلاء المكذّبين يكونون بحال سيئة، رؤوسُهم منكّسة إلى الأرض خِزياً من ربهم، يقولون في ذلة: ربنا أبصَرْنا الآن ما كنا نتعامى عنه، وسمعنا ما كنا نُصم آذاننا عنه، فارجِعنا إلى الدنيا لنعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل. لقد آمنّا الآن.. لكنه يكون فات الأوان.
{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا....}
ولو شئتُ لهديتُ كل نفس، ولكن ثبت منّي القول، لحكمةٍ أعلمها؛ بأن أملأ جهنم من الجنّ والانس معا، ونقول لهم: ذوقوا العذاب بسبب غفلتكم عن لقاء يومك هذا، وقد اهملناكم وتركناكم في العذاب كالمنيسيّين، فذوقوا العذاب الخالدَ بما كنتم تعلمون.
فيا ايها العاقلون اعتبِروا بمصير أولئك المجرمين، واعملوا صالحاً قبل لان تندموا يومَ ذلك الموقف الرهيب.


ذُكّروا بها: وعظوا بها. خرّوا: سقطوا ساجدين. تتجافى: تبتعد. جنوبهم: جوانب اجسامهم. المضاجع: فرش النوم. أُخفي لهم: خُبِّئ لهم. من قرة أعين: من الأشياء النفيسة التي تفرح بها الأنفس والاعين. المأوى: المسكن الذي نأوي اليه. نزلا بما كانوا يعملون: ضيافة منا لهم على اعمالهم الصالحة. الأدنى: عذاب الدنيا. الاكبر: عذاب الآخرة.
بعد أن صوّر حالَ المجرمين يوم القيامة، وذكر ما يلاقونه من العذاب المهين- أتى بالصورة المقابلة، صورة المؤمنين الذين يسبّحون بحمد ربهم ويسجدون له عند ذكر آياته، فهؤلاء لهم عنده الجزاء العظيم. وعند قوله تعالى: {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} موضع سجدة.
ان الذين يؤمنون بآيات الله يَقَعون ساجدين حين يُوعَظون بها، ويسبّحون الله ويحمدونه في سجودهم. وهم يقومون لله في الليل متهجّدين مبتعدين عن مكان نومهم يدعون الله خوفاً من عذابه، وطمعاً في ثوابه. كما ينفق مما رزقهم الله من الأموال في وجوه البر، ويؤدون حقوقه التي أوجبها عليهم.
قالنس بن مالك رضي الله عنه: نزلتْ فينا معاشرَ الأنصار، كنا نصلي المغرب، فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلّي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى عام يعم جميع المؤمنين في كل زمان ومكان.
ولذلك يقول الله تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
فلا تعلم نفس مقدار ما أعدّه الله وأخفاه لهؤلاء المؤمنين من النعيم المقيم الذي تقر ه أعينهم، جزاء بما كانوا يعملون. وانه لجزاء عظيم، واكرام آلهيّ، وحفاوة ربانية بهذه النفوس المؤمنة.
{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً؟ لاَّ يَسْتَوُونَ.....}
يبين الله تعالى في هذه الآيات مبدأ الجزاءِ العادل، الذي يفرق بين المسيئين والمحسنين في الدنيا والآخرة على أساس العدل.
كيف يستوي الناس في مجازاتهم وقد اختلفوا في أعمالهم!! لا يستوي المؤمن المصدق بالله مع الكافر الجاحد العاصي. كما قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} سورة ص 28.
ام الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى التي فيها مساكنهم، ضيافةً منا لهم جزاء أعمالهم الصالحة.
واما الذين فسقوا وخرجوا عن طاعة الله فمقامهم في النار، كلما حاولوا الخروجَ منها أُعيدوا فيها، ثم يقال لهم: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم تكذّبون به في الدنيا.
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
ان الله تعالى لا يحب ان يعذب عباده إذا لم يستحقوا العذاب، وهو يقسِم هنا بأنه سوف يعذّبهم في الدنيا لعلهم يتوبون وتستيقظ فطرتهم، أما إذا أصرّوا على الكفر والعناد فإن العذاب الاكبر ينتظرهم يوم القيامة.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ}
ليس هناك من هو أظلمُ ممن ذكّروا بآيات ربهم وحُججه البينات ثم انصرفوا عنها ولم يؤمنوا بها، وهؤلاء ينالون اشد العذاب ويستحقون الانتقام من العزيز الجبار.
قراءات:
قرأ حمزة ويعقوب: {ما اخفي لهم} باسكان الياء والباقون: {اخفيَ} بفتحها.

1 | 2